نكذب أم نتجمل علي حساب
الحقيقة؟
يوم الجمعة حدثت لي واقعة صغيرة لكنها أثارت
تفكيري بعد أن جرت ورائها ذكريات أخري تصب ف نفس المصب. أنا نباتية منذ أكثر من
عشرين سنة وأصبحت لا أطيق اللحوم بأنواعها ولا شُربتها ولا أي شئ منها يدخل في
الأكل ( طب أشيل اللحمة وتاكلي الملوخية؟لأأأأأأأأ!)
كنت ف طيارة ورغم إني مسجلة وجبة
نباتية علي التذكرة إلا أنه يبدو أن الشركة نسيت. طقم الضيافة كان في منتهي الذوق
وعايزين يساعدو بأي طريقة وقالو هايجيبو اكل من الدرجة الاولي.
بعد قليل جاءت مضيفة لطيفة قدمت لي تفاحة
وكمتري أكلتهم تمام وطبق به رز وكوسة وجزر مطبوخين. سألتها إذا مطبوخين بلحمة أو
فراخ أو شوربة فأكدت لي بما يدع مجالا للشك أنه إطلاقأ "مفيش كده وده أكل
نباتي". أكلت معلقتين رز وكوسايه وجزرايه وأنا خائفة ثم تكعبلت الشوكه في شئ
شكله "مش جزر ولا كوسة". كان قطعة فراخ!
قلت للمضيف: "ده مش نباتي"
قال لي :"آسف هي مخدتش بالها ان فيه فراخ.أجيب لك عيش وجبنة وفاكهة"
الحقيقة كان في منتهي الذوق واعتذر عن غلطة الشركة وغلطة زميلته وكان عايز يخدم
بأي طريقة بس أنا طبعآ نفسي اتسدت تمامآ وخدت الدوا علي أساس ان قطعتين الفاكهة اللي
أكلتهم عشاء وخلاص.
تذكرت حوادث مشابهه ف شركات أخري
عندما ينسون الوجبة النباتية يقدمون سلطة وخبز وجبن ويعتذرون وخلاص. وفعلا الشركة
المصرية عرضت ذلك ولكن بعد كارثة الفراخ. طب ليه معرضوش ده من الأول؟ ليه جابو طبق
طبيخ من الواضح انهم عارفين انه مش نباتي وشالو اللحمه ولا الفراخ منه؟ بمعني أخر
ليه مفكروش ف حل سهل وليه كدبو؟
تذكرت مره خناقة مع واحدة إنجليزية أعرفها
بتتهم الشعب الفلاني (مش مصر) بإنهم كذابين. ليه ياستي؟ عشان صاحبتها اتأخرت عن
ميعادهم ولما جاءت اعتذرت بعذر واهي واضح انه مش حقيقي بينما الحقيقة إنها ببساطة نسيت
الميعاد. الأنجليزية كانت ببساطة ستقول: أسفة نسيت الميعاد وهي الحقيقة فتصدقها
وتعدي القصة. لكن في هذه القصة (اللي عادي خالص ف مصر) صديقتها عارفه إنها كاذبة لكن
هناك إتفاق مجتمعي علي إعتبار الأسباب الكاذبة حقيقة (مع العلم التام بكذبها) ربما
للتجمل أو...مش عارفه ليه. حاولت أفَهِم الإنجليزية إن صاحبتها "اتكسفت"
تقول إنها نسيتها فبتقول السيارة عطلت.
المناسبة مش بقول الانجليز معصومين
من الكذب –كلنا بشر خطاؤون- لكن من عشرتي لهم ولكثيرين غيرهم أعتقد إنهم أقل الناس
كذبآ ف الحياة اليومية ( بكام البلوزه دي؟ بعشره جنية إذن 99و99% ده التمن
الحقيقي. إتأخرت ليه؟ جالي ضيوف. إذن 99و99% حقيقي جاله ضيوف وغالبآ هايكلمك ف
التلفون يقول هاتأخر) .لاحظ مش بقول السياسيين لان دول فصيلة أخري من البشر وبقول
الحياة اليومية يعني مش ف كل حاجة.
طبعآ الحادثة مش مهمة في حد ذاتها –ولو
ان الإحساس اني كلت شئ مطبوخ مع فراخ أصابني بالشعور بالقئ من بعدها لغاية الساعة
3 صباحآ لما نمت -ولكني أفكر في مدلولاتها منذ الأمس. طيب ليه ياستي ليه جبتي
الطبيخ اللي انتي عارفه فيه فراخ؟ وليه ماجبتيش عيش وجبنه مع (كتر خيرك) التفاحة
والكمتري؟
هل لأنهم شعرو إنه خطأ الشركة ولابد
أن يصلحوه بتقديم وجبة مماثلة لباقي الركاب حتي لو بالكذب؟ وفي هذه الحالة يكون المظهر أهم من الحقيقة (مع
ان الكذاب هايروح النار واحنا شعب متدين بطبعه- آه بس فيه كدب أبيض وكدب فوشيا).
أم لأن لم يخطر علي بال المضيفة أن
المهم هو تقديم أكل مناسب (مثل الفاكهة والعيش والجبنة)؟ وفي هذه الحالة فإن
المشكلة هي عدم إدراك الوضع الحقيقي (إنه يلزمني
أكل نباتي) وإنما فَهْمُه علي إنه (الشركة غلطت ولازم نصلح غلطتها).
قست علي هذا الأتي:
-
"الدكتور متأخر اصل عنده عمليات" (الحقيقة انه نايم ف البيت عشان
كان سهران قدام التلفزيون) والنتيجة إنتظار وزحمة وقرف للمريض + مفيش وقت كشف
حقيقي علي المريض
-
"خلاص هاعمل التقرير وهايكون عندك بكره الصبح" وطبعآ بعد
ماترتب مصالحك علي كده مايجيش التقرير والشغل يتعطل عادي خالص
وعشرات الأمثلة الأخري لما يحدث ف الحياة اليومية.
وهكذا وتضيع الحقيقة ويضيع الاهتمام
بها فلا يهم أن يتأخر الطبيب أو يتأخر العمل أو يباع طعام أو دواء منتهية صلاحيته
أو يستمر العنف ضد الأطفال والنساء ...إلخ . هناك دائمآ عذر ما، يعرف الكثيرون أنه
كاذب ومع ذلك يروجونه وكأنه الحقيقة!
No comments:
Post a Comment