Tuesday 2 April 2013


مكسب عظيم للمريض الهندي


 اليوم (أول أبريل 2013) حققت الهند إنتصارآ لمواطنيها عندما أصدرت المحكمة الهندية قرارها برفض منح براءة اختراع لدواء "جليفيك" لعلاج نوع من أنواع سرطان الدم هواللوكيميا النخاعية المزمنة. فما أهمية هذا الموضوع للهند ولبلاد أخري مثل بلادنا وكيف يكون هذا القرار في صالح المريض؟ لنرجع إلي أصل الموضوع.

الملكية الفكرية فيما يخص الأدوية

هناك أنواعآ متعددة للملكية الفكرية ولكن ثلاثة أنواع منها تخص الأدوية وبالتالي تؤثر علي تواجد وسعر الدواء وهي:

1.     براءة الاختراع وتعطي للأدوية أو بمعني أدق للمركبات أوالجزيئات المركبة لدواء معين. وتكون البراءة إما علي المُنتَج النهائي (براءات مُنتَج) أوعلي طرق تصنيعه (براءات طريقة تصنيع)
2.     حماية المعلومات التي تقدمها شركات الأدوية للحصول علي براءات والتي تقدمها للحصول علي حق تسجيل الدواء ف بلد ما وبالتالي بيعه (التسجيل مختلف تمامآ عن الملكية الفكرية)
3.     الماركة المسجلة: وهي تتعلق باسم الدواء وطريقة كتابته علي علبة الدواء

وفي الماضي كانت معظم الدول مثل مصر والهند تمنح البراءات علي طرق التصنيع فقط وليس علي المُنتَج النهائي مما مَكَن الشركات الجنيسة من إنتاج الأدوية بطرق مختلفة عن تلك المحكومة ببراءات التصنيع لصالح الشركات الأصلية. كما أن هذه البراءات كان يتم منحها لمجة قصيرة-مثلآ 7 سنوات فقط في الهند. ولقد مَكَن ذلك لقيام صناعة أدوية جنيسة (أي مماثلة للأدوية الأصلية)  متقدمة وخاصة ف الهند الي تحتل المركز الأول في تصدير الأدوية الجنيسة حتي أنها قد سُميَت: صيدلية الدول النامية. فمثلآ تعتمد المؤسسات الدولية والدول المانحة علي الشركات الهندية في شراء حوالي 80% من أدوية الايدز ذات الجودة لعلاج حوالي 8 مليون متعايش مع الايدز .

إتفاقية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة-التربس

في عام 1994 تم إنشاء منظمة التجارة العالمية لتحريرالتجارة في البضائع والخدمات بين دول العالم. ولكن بعض الشركات ذات المصالح وخاصة شركات الأدوية والكومبيوتر نجحت في إدخال الملكية الفكرية (وهي ليت بضائع أو خدمات) في إتفاقيات المنظمة بإتفاقية التربس- إلا أنه بينما الاتفاقيات تحرر التجارة فإن اتفاقية حقوق الملكية الفكرية في الواقع تقيد التجارة ف الأدوية عن طريق:
1.     تطبيق أنواع متعددة من "حقوق" الملكية الفكرية مثل التي سبق ذكرها
2.     تمديد براءات الإختراع علي طرق التصنيع وعلي المُنتَج ذاته لمدة 20 سنة من تاريخ الحصول علي البراءة
3.     تسري إتفاقية التربس علي الدول بمجرد قبول عضويتها في منظمة التجارة العالمية ولايمكن تغيير الإتفاقية

ورغم المشاكل الناتجة عن تطبيق إتفاقية التربس في مد فترة احتكار الدواء من قِبَل الشركة المنتجة الأصلية وبالتالي استمرار السعر المرتفع، فإن الإتفاقية قد شملت بعض الضمانات والمرونات التي تساعد الدول في الحصول علي الدواء. فمثلآ هناك حق الدولة في الترخيص الإجباري وقد استخدمت حكومة تايلاند هذا الحق للحصول علي دواء جنيس لعلاج أمراض الإيدز وآخر للسرطان وثالث لأمراض القلب بأسعار مخفضة. ومؤخرآ فقد استخدمت الحكومة الهندية ضمان الترخيص الإجباري وسمحت للشركات الهندية بإنتاج أدوية للسرطان ذات سعر منخفض وبنفس جودة الأدوية الأصلية.

وتلزم إتفاقية التربس جميع الدول الأع ضاء في منظمة التجارة العالمية بتغيير قوانينها حتي تصبح متوافقة مع تفاصيل إتفاقية التربس. وقج إستفاديت بعض الحكومات وخاصة الهند من المرونات والضمانات الموجودة ف إتفاقية التربس لأكبر درجة ممكنة حتي تتمكن من توفير الأدوية بأسعار معقولة.

ومن أكبر المرونات التي استخدمتها الهند في قوانينها هي وضع شروط جيدة لتقييم المُنتجات التي تستحق الحصول علي براءة الإختراع وذلك في القسم المعروق باسم"قسم 3 د" من قانون الملكية الفكرية الهندي. ومن هذه الشروط أن يكون المنتج مُرَكَبآ أصليآ ولم يجري تحويره كيميائيآ. ولكن شركات الأدوية إعترضت علي هذه الشروط لأن الشركات تحقق أرباحآ كبيرة عن طريق إيجاد طرق لمد فترة براءة الإختراع أبعد من 20 سنة وخاصة علي الأدوية التي تدر عليها أرباجآ كبيرة وهي التي تَدعًي "بلوك باستر". وتسمي هذه العملية ب"التخضير الدائم" مثل النباتات دائمة الخضرة التي لا تغير أوراقها في الخريف. والمعني هو أن براءة الإختراع لا تذبل بل تتجدد خضرتها \مُدتها دائمآ عن طريق إجراء تحويرات صغيرة كلما إقترب موعد إنتهاء احد براءات الإختراع.

الصراع بين شركة نوفارتس والحكومة الهندية

وفي عام 2006 أقامت شركة نوفارتس دعوة في محكمة هندية ضد حكومة الهند لرفض الحكومة منح براءة إختراع لأحد أدوية نوفارتس وهو (جليفك) المستخدم لعلاج مرض اللوكيميا النخاعية المزمنة (سرطان الدم النخاعي). ولكن الشركة خسرت القضية لأن المحكمة أفادت بأن الدواء لا تنطبق عليه شروط المًنتَج الجديد لأنه مُحَوَر عن مُرَكَب قديم ليس علي براءة إختراع.

ولكن نوفارتس لم تقتنع بقرار المحكمة فأقامت دعوة أخري ضد حكومة الهند مُدَعية أن "الجزء 3 د" من القانون الهندي يتعارض مع إتفاقية التربس الدولية. وبعد مجاولات عديدة أقرت المحكمة أن القانون متوافقآ مع الإتفاقية وأسقطت الدعوي. ومن الجدير بالذكر أنه رغم الضغوط الكبيرة التي تمارسها الشركات العملاقة وحكومات أمريكا وأوروبا علي حكومة الهند ضد هذا الجزء بالذات، فإن هذه الشركات والحكومات لم تقدم أي طلبات ضده أمام هيئة المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية كما هو المتبع في القضايا الخاصة بإتفاقيات التجارة. وذلك يدل علي أن القسم "3 د " متوافقآ مع إتفاقية التربس.

وللمرة الثالثة أقامت شركة نوفارتس دعوة إستئناف ضد قرار المحكمة الهندية برفض براءة الإختراع علي دواء جليفك. وقد قررت محكمة الإستئناف يوم أول أبريل 2013 رفض دعوي الشركة.

ماذا يعني قرار المحكمة الهندية الأخير؟

بالنسبة للهند فإن القرار يعني أن الشركات الهندية الجنيسة يمكنها الاستمرار في إنتاج الدواء الجنيس وبيعه في الهند ومن الجدير بالذكر أن شركة نوفارتس تبيع كورس الدواء بما يعادل 2600 دولارآ أمريكيآ بينما تبيعه الشركات الهندية بمبلغ 187 دولارآ. إن هذا الفارق الكبير في السعر معناه أنه في إستطاعة أعدادآ أكبر من المصابيين بالمرض الحصول علي الدواء بسعر منخفض – إنه الفرق بين الحياة والموت.

كما يعني القرار أن شركات الأدوية عليها أن تتوقف عن إنفاق ملايين الدولارات علي إجراءات التقاضي وعلي التخضير الدائم لبراءات الإختراع وأن توجه أموالها للصرف علي إجراء أبحاث لإنتاج أدوية جديدة حقيقية تعالج الأمراض التي تحتاج علاجات أكثر تأثيرآ وفعالية.

وعلي جمع الدول النامية أن تقتدي بالهند لتشجيع إستخدام الأدوية الجنيسة عالية الجودة حتي يمكن للمرضي الحصول علي الدواء بأسعار ف متناول يد الأفراد والحكومات.


من فضلك لاتتردد في الإتصال بي أو ترك تعليق أو تويت إذا كنت تريد مناقشة أي من المعلومات المطروحة في هذه التدوينة أو إذا كان لديك سؤالآ بخصوص قضايا الأدوية